19 ديسمبر 2019م
المصدر: رأي اليوم
مُنذ أن اجتاحت عدن تلك الوحدات العسكرية لدولتي الإمارات العربية المتحدة والسعودية وعصاباتها المسلحة من المرتزقة السودانيين الجنجويد و الأمريكان المنضوين تحت سقف شركة (البلاك ووتر) وجماعات تنظيمي داعش والقاعدة والعصابات اليمنية المحلية المسلحة المنفلتة، تحولت المدينة إلى أشبه بغابةٍ متوحشةٍ مع غياب كلي لمظاهر وجود مؤسسات الدولة المعروفة بأركانها وملامحها وشكلها وشخوصها، وبالتالي غلب على طابع المدينة مظاهر التوحش والانفلات الأمني من تلك العصابات المسلحة التي عاثت في ضواحي مدينة عدن وشاعت بين أهل عدن وسكانها الآمنين مظاهر الفوضى والاختطاف والمداهمات الليلية والتعذيب البربري والاغتيالات للمعارضين بالجملة، و لم يغيب على المتابع العادي مظاهر ما سُمي بظاهرة ترييف المدن في أكثر من موقع في المدينة إن لم نقل في معظمها، فتُرِكَ للعصابات المسلحة أن تنهب مساكن ومحلات وعقارات المواطنين اليمنيين بحجة أنهم (شماليين)، إنها بحق فضيحة أخلاقية وقانونية وإنسانية لا يستطيع أحد منهم أن يبررها مهما امتلك من حُجج وأسانيد مسنودة لُغوية أو إعلامية ساذجة أو غيرها.
دعونا ندلل بشيء من الإشارات لعل القارئ العربي والأجنبي يقترب قليلاً من حجم المأساة والنكبة التي حلت بعروس بحر العرب والضرر الكبير الذي لحق بالمدينة الجميلة وبسكانها المحترمين من جرَّاء التخريب المتعمد لمعالم وصورة المدينة العصرية، وهي التي طمع بها مُعظم الغزاة والأباطرة بالعالم بغزوها واحتلالها، مُنذ زمن الإسكندر الأكبر المقدوني والأباطرة الرومان مروراً بالأحباش والأتراك العثمانيون والبرتغال والمماليك والبريطانيون وانتهاءً بالغزو السعودي الإماراتي الحالي:
أولاً: الحرم الجامعي لجامعة عدن:
خصصت الدولة في العام 1994م من أراضيها في مديرية البريقا مدينة الشعب مساحة 400 هكتار لبناء وتشييد الحرم الجامعي لجامعة عدن، ومنذ ذلك التاريخ تم بناء كليات الهندسة والحقوق والاقتصاد وسكن الطلاب وبناء مساكن الجمعية السكنية للمدرسين والموظفين والأنشطة الرياضية وخُصصت بقية المساحات لبناء المنشآت الأكاديمية والكليات الجديدة وتم تسويرها من الجهات الأربع، لكن ما يؤسف له بأن الحرم الجامعي تم السطو عليه من قبل تجار الأراضي والسماسرة وبنظر سلطات الاحتلال وأمام ناظره وبذلك العمل تم حرمان أجيال التعليم لعقود قادمه من الاستفادة من ما خصص لمستقبل الأجيال العدنية واليمنية بشكا عام.
ثانياً: الآثار التاريخية في مدينة عدن:
تمتلك المدينة آثار تاريخية هامه منها على سبيل المثال لا الحصر قلعة صيره وصهاريج الطويلة وجبل حديد والمتاحف والمباني الأثرية التاريخية، لكن وفي زمن الاحتلال تم السماح بالبناء العشوائي والنهب المنظم لمساحات واسعة تقع فيها تلك الآثار ومباني المتاحف، وكمثال على تلك التصرفات الفوضوية هو ما بُني بجوار وداخل حرم الصهاريج التاريخية في ضاحية كريتر واقتطاع أجزاء من مبنى المتحف العسكري والبناء فيه ناهيكم عن محاولة طمس برج ساعة بيج بين بالتواهي والسطو على صهاريج البريقا وغيرها العديد من المواقع الأثرية.
ثالثاً: ردم البحار والشواطئ:
في عمل غير مسبوق ومخل بالحياة البيئية والطبيعية والجمالية لمدينة عدن تم ردم مساحات شاسعة من الشواطئ التي ستُخِل مستقبلاً بالتوازن البيئي للمدينة وهذا يعد تخريب متعمد والسكوت عن فاعله جريمة بحق المدينة وأجيالها اللاحقة وليس أدل على ذلك العبث هو ردم مملاح عدن الذي يعد احد معالم المدينة وكذلك المتنفس الوحيد لضاحية كريتر في ساحل حُقات وبعض الأجزاء في التواهي ومدينة الشعب والبريقة وغيرها العديد من الأمكنة المحرمة العبث فيها لولا غض الطرف الذي مارسته سلطة الاحتلال طيلة هذه المدة من زمن الاحتلال (الإستعمار).
رابعاً: نهب المتنفسات في الأحياء السكنية:
تتصف المدينة منذ النشأة الحديثة لها بأن لديها تخطيط هندسي مدني منذ عهد الإحتلال (الاستعمار) البريطاني وقد روعي في ذلك التخطيط العمراني كونها من اكثر المدن ارتفاعاً من شدة حرارة الجو في ساحل بحر العرب وقد وضع الآباء الأوائل من مهندسي الأحياء والضواحي متنفسات مريحة للأحياء والمدن لكي تحافظ على توازنها البيئي، لكن للأسف هذا المحتل الجديد لم يهتم حتى لمجرد ردع الغوغاء والبهماء التي قام بتسليحها في المدينة وتركتها تنتشر في المدينة كالطاعون المّهلك أو قل كالجراد حينما يغزو المساحات الزراعية بأنها لا تغادرها إلا بعد أن تهلك الزرع، أو كما سماها احد الأصدقاء أنهم قوم يأجوج ومأجوج نهبوا كل شيء جميل في عدن.
خامساً: البناء العشوائي في الشوارع العامة:
ازداد العبث في البناء العشوائي حتى وصل إلى البناء في الشوارع العامة في الأحياء الرئيسية، فقد بنوا بشكل عشوائي في الطرقات الرئيسية والفرعية وعلى كابلات الكهرباء والهاتف وفوق توانك ومكان فرز النفايات الصُلبة والسائلة للصرف الصحي واقتطاع المساحات المخصصة للمدارس وحتى المشافي، كل ذلك حدث ويحدث في خمس سنوات من الاحتلال والعدوان للمدينة وأمام مرأى من قوات الاحتلال التي يفترض بها إيقاف هذه المهزلة بمدينة حضارية وعصرية، وتناسوا مسؤوليتهم الأخلاقية كمحتلين.
سادساً: البناء في أراضي المنطقة الحرة:
خصصت الدولة اليمنية مساحات شاسعة من الأراضي والمساحات لبناء حاضر ومستقبل المنطقة الحُرة، والمدينة بطبيعتها التضاريسية والجغرافية مُهيأة للقيام بهذا الدور الاقتصادي كميناء بحري وجوي عالمي، لكن من يشاهد كل ما حدث من نهب مُنظم لجميع أراضي المنطقة الحرة خلال الخمس السنوات الأخيرة يستنتج بأن دولتي الاحتلال السعودي الإماراتي لم تحضرا للمدينة إلا و في أجندتها شيء واحد هو تعطيل المدينة في أن تقوم بأي دور حضاري مدني واقتصادي وأنساني في قادم الأيام وهو مخطط خبيث هدفه الرئيسي إخراج عدن من أن تكون واحدة من بين مدن المناطق الحرة بالجزيرة العربية برمتها.
سابعاً: البسط والبناء على المقابر:
حتى المساحات المخصصة كمقابر (المجنَّات) لم تسلم هي الأخرى من تغول هؤلاء، لقد بسطوا على مساحات ليست بالقليلة من المقابر في أبو حربه والمنصورة وحتى في سفح جبل العيدروس بكريتر ومناطق عديدة أخرى في المدينة، تلك المقابر المخصصة للراحة الأبدية لرفات بني الإنسان بعد عمرٍ مديد وبعد أن ترحل الأرواح إلى بارئها في السماوات العُلى، كانت هي أيضاً محل أطماع الوحوش (الآدمية)، لكن السؤال المركزي هنا هو أين حدود المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية للمحتل الغاصب للأرض وهي دولتي الاحتلال السعودي الإماراتي ومرتزقتها وعملائها من (اليمنيين) الذين يجوبون شوارع المدينة جيئةً وذهاباً وهم مدججين بالأطقم العسكرية وبالسيارات المصفحة وبالأسلحة الحديثة، أين ذهبت كل هذه المظاهر العسكرية و (الهيلمان) الباذخ، ألم يشاهدوا أن مدينة عدن العصرية تغرق وتنهار بسببهم وتتحول إلى أشبه بمنطقة ريفية لا تشبه عدن التي عرفها العالم؟!!.
قد يتساءل أي سائل من الرأي العام العربي أو الإسلامي أو الأجنبي يقول: ما ذنب كلٍ من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة فيما حدث ويحدث في مدينة عدن، طالما وهناك سلطة (شرعية) يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي المنتهية ولايته، وسلطة أمر واقع يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، لكننا هنا يجب أن نثبت أن عدن اكتوت بنار هؤلاء.
فالرئيس هادي المنتهية ولايته يعيش بعيداً عن الواقع ومنفصلاً عنه، ويعرف العالم أنه يهيم في منفاه بعاصمة دولة العدوان (الرياض)، ومُعظم أيامه يعيش متنقلاً بين منتجعات وفنادق مدينة الرياض هو ومُعظم شلته ومستشاريه، وجزء كبير من شلته يعيشون في ترحال دائم بين عواصم القاهرة والدوحة والإستانة، وجميع قيادات السلطة (الشرعية) سلَّمَتْ مقاليد الحكم لسعادة السفير السعودي اللواء/ محمد آل جابر، وأصبح هو الآمر الناهي في شؤونهم العامة والخاصة بما في ذلك إدارة شؤون اليمن السياسية والإدارية والمالية باعتباره المندوب السامي لسلطة الإحتلال السعودي في اليمن الواقعة تحت الإحتلال، أما قيادات المجلس الإنتقالي الجنوبي فهي موجودة على الأرض، لديهم أفراد وعتاد يكفي لردع أي مخالف للقانون لكنهم بطبيعة الحال مكلفين بمهام أخرى ليس من بينها حماية المدينة والمواطنين ومصالحهم، وهم يأتمرون بأمر الضابط الإماراتي القابع في معسكر أُسس لغرض القيادة والسيطرة الإماراتية بجانب مدينة عدن الصُغرى (البريقا)، يأتمرون بأمره دون سواه.
فالمجلس الإنتقالي مُدان حتى النخاع في مُعظم الجرائم المُرتكبة في عدن وضواحيها باعتباره سلطة الأمر الواقع، ويمتلك كل تلك الإمكانات العسكرية والأمنية واللوجستية ومسؤوليته حماية المدينة من أي عبث يحدث لها، لكنه ومن خلال تصريحات بعض قياداته يظهر أنه شريك مباشر في كل ما حدث للمدينة.
خلاصة القول هو أن العملاء للغزاة المحتلين قديماً وحديثاً من كل الجنسيات بالعالم، والخونة لأوطانهم من كل المذاهب الحزبية والسياسية لم يقدموا لأوطانهم غير المهانة والعبودية، وهم ملعونون صاغرون في نظر شعوبهم مهما تزينوا بالعبارات والشعارات، لأنهم ببساطة تنازلوا عن حق السيادة الوطنية وكرامة وعزة وكبرياء الشعوب والأوطان. والله أعلمُ مِنَّا جميعاً.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾