قرارات دونالد ترامب تُعزف من واشنطن والرقص عليها في الرياض وتل أفيف "إنهم حلفاء ضد مصالح الأمة"



أ.د/

الكاتب: أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور

تاريخ كتابة المقال : السبت , 12 مايو ,2018

عدد المشاهدات ( 242 )



12 مايو 2018م

المصدر: رأي اليوم

 

ما أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره المتهور يوم الثلاثاء الموافق 8 مايو 2018م من مقره بالبيت الأبيض بواشنطن بشأن تنصل وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية الدولية والمقرة في مجلس الأمن الدولي، الموسومة باتفاقية خَمْسَة زائد واحد من جهة، وإيران من جهة أخرى، بشأن البرنامج النووي الإيراني، حتى تردد صدى تلك القرارات في ذات اللحظة في كلٍ من العاصمتين الحليفتين مؤخراً: الرياض وتل أفيف بالموافقة غير المشروطة على قرار دونالد ترامب.

 

هذا القرار المتهور (لفخامة) الرئيس دونالد ترامب ليس هو الأول من نوعه ولن يكون الأخير، علماً بأن القرار واجه رفضاً داخلياً في أميركا ذاتها وفي معظم بلدان العالم. صحيح أن هذا القرار قد صدر قبله بأشهر قرار بإلغاء توقيع التزام أميركا باتفاقية المناخ المسماة اتفاق باريس، محرجاً بذلك حلفائه الأوروبيين وبالذات فرنسا ماكرون الشاب الوسيم الوديع الذي حاول دونالد ترامب إهانته حينما زار واشنطن قبل أقل من شهر، وبعدها بأسابيع قام بإلغاء مشاركة أمريكا في اتفاقية التجارة العالميّة، واعتمد مبدأ السياسة الحمائية من جديد، وهو قرار مغامر مجنون أراد به بداية شن حرب كونية تجارية على العالم برمته، لكن أخطر القرارات و أسوأها بالنسبة لعالمينا العربي والإسلامي هو قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أفيف عاصمة الكيان الصهيوني إلى رحاب مدينة القدس الشريف (أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين). وبالتالي، فقد تجاوز هنا الرئيس الأمريكي بقراره ذلك كل المحرمات السياسية والدبلوماسية والأخلاقية في ثقافتنا الرسمية والشعبية العربية والإسلامية! كيف لا ونحن نُدرس ونُعلم الأجيال في جميع مدارسنا وجامعاتنا وأنديتنا الثقافية والرياضية وفي خُطب الجمعة في مساجدنا وفي المسجد الحرمين، المكي والمدني، الشريفين ونردد في كل صلواتنا وابتهالاتنا بأن فلسطين عربية وعاصمتها القدس الشريف! وفجأة يحدث هذا الانقلاب الدراماتيكي على ثوابتنا العَقدية والقومية العروبية؟.

 

نعود إلى حدث الْيَوْم وهو التنصل عن الاتفاقية النووية الدولية-الإيرانية وما سببته من إحراج بالغ لحلفاء واشنطن من الأوروبيين وغيرهم، ناهيكم عن حنق بقية الدول دائمة العضوية وهما روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، واعتبار أن واشنطن شريك غير بنّاء وغير مأمون في التوقيع على الاتفاقات الدولية وعلى مستوى السّلام العالمي برمته، والمتابع العادي للحملة الإعلامية من قبل دول الغرب جميعاً وإعلام الدول العربية التي تسبح في فضاء إعلام الدول الإمبريالية الاستعمارية وكأنها تمثل الآتي:

 

  • أن هناك تحضيراً قوياً لشنِّ عدوان مباشر وغير مباشر على جمهورية إيران الإسلامية يشبه إلى حدٍ بعيد تلك التحضيرات التي سبقت العدوان الأمريكي الغربي على العراق العظيم في صيف 2003م.
  • يأتي هذا التصعيد الهستيري من قبل الإدارة الأمريكية وشريكاتها بالمنطقة إسرائيل وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي كرد فعل مباشر وطبيعي للانتصارات الساحقة التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون ومجاهدو حزب الله في جنوب العاصمة السورية دمشق، وبداية تشكل نواة ثورية للمقاومة السورية في جنوب سوريا المتاخمة للجولان المُحتلة.
  • الهزائم الكبيرة التي لحقت بمحور أمريكا المتصهينة في المنطقة على طول امتداد محور المقاومة الممتد من العراق والبحرين شرقاً مروراً بسوريا واليمن وحتى الصحراء الغربية لوادي الذهب بقيادة جبهة البوليساريو غرباً.

 

إن شركاء واشنطن الإقليميين، وهما دولة الاحتلال الإسرائيلي والمملكة السعودية، يعانون حالة خوف وهلع مما وصلت إليه الأوضاع العسكرية والأمنية بالمنطقة؛ ولذلك ينطبق عليهما التشخيص الآتي:

فالشريك الأول:

هو دولة الاحتلال اليهودي منذ تأسيسها في العام 1948م وحتى الْيَوْمَ وهي تُمارس أقبح الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في ظل صمت دولي مُريب، وفتور حماسة القادة العرب تجاه قضية العرب المركزية. هذه الدولة العنصرية لا تزال تُمارس هواية القتل والتشريد في حق المواطنين الفلسطينيين العُزَّل حتى هذه اللحظة، ولا أدلَّ على ذلك مما يقوم به جنود الاحتلال اليهودي في كل يوم جمعة بحق مواطني قطاع غزّة من قتل وحصار وإصابات جراء إطلاق النار من قبل قناصة جنود اليهود المُحاصرين للقطاع برمته.

هذه الدولة الصهيونية العنصرية حاولت بشتى السبل والوسائل طمس الهوية العربية للمدن والضيعات الفلسطينية في أراضي 48، وما تبقى من أراضي الضفة الغربية والقدس الشريف، أما قطاع غزه فقد حولته إلى سجن كبير تحاصر فيه أهلنا بالقطاع.

 

والشريك الثاني لأمريكا:

هو المملكة السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي التي تُعَدَّ حليفاً استراتيجياً للأمريكان من الناحية الاقتصادية والمالية والإعلامية، وهي الممول المالي السخي لجميع العمليات العسكرية للإدارات الأمريكية المتعاقبة مُنذ حروب الخليج الأولى والثانية وسوريا وليبيا واليمن، فدول مجلس التعاون الخليجي تدفع المال مقابل حماية نظمها السياسية المشيخية من قبل الجيش والمخابرات الأمريكية، وما صرح به سيد البيت الأبيض/ دونالد ترامب بقوله أن الدول الخليجية عليها أن تدفع لنا المال لقاء حمايتنا لها، وأن لم يدفعوا لنا ونحن نقوم بحراستهم لن يصمدوا حتى أسبوعاً واحدا، ويردف ترامب القول أن الأمريكيين خسروا في كل غزواتهم ما يقارب سبعة ترليون دولار وعلى الخليجيين أن يدفعوا مقابل حمايتنا لهم، رددها مراراً دون حياء ولا دبلوماسية. ليس هناك أوضح من وقاحة ترامب؛ ولكنه قال الواقع كما هو.

 

ولتذكير القارئ اللبيب، فأن المملكة السعودية وحليفتها الأبرز في العدوان على اليمن دولة الإمارات المتحدة قد قامتا بشن عدوان ظالم على الجمهورية اليمنية وشعبها المسالم مُنذ 26مارس2015م وحتى كتابة هـذه الأسطر، شنتا عدوانهما بحجة إعادة الشرعية إلى القصر الجمهوري في صنعاء وكذا طرد الإيرانيين الشيعة الاثني عشرية من اليمن... إلخ، من الأكاذيب المُسوقة إعلامياً من قنواتهم التلفزيونية ومن عملائهم اليمنيين الذين يبررون ليل نهار للسعودية والإمارات جرائمهما وبربريتهما المتوحشة بحق الضحايا من اليمنيين، ولا يزال هذا العدوان مستمراً بالقتل والتجويع والتدمير لكل فئات الشعب اليمني، وآخر جرائمهما استهداف مكتب الخدمات التابع لرئيس الجمهورية وكان الضحايا من تلك الغارتين الجويتين استشهاد ستة مواطنين وأكثر من ثمانين جريحا، جلهم من المواطنين المُراجعين الذين يتابعون قضاياهم الحقوقية الشخصية.

 

الخلاصة:

إن نشوء وتأسيس حكومات المملكة السعودية المتعاقبة وبعدها مشائخ دول الخليج ومنها الإمارات المتحدة جاءت كمتطلب رئيس للنظام الاستعماري العالمي، وحماية لدويلة إسرائيل؛ وهم يشكّلون حجر الأساس للنظام الغربي برمته في جانبه المحوري وهو الجانب المالي في ذلك النظام الإمبريالي الدولي، وأن كل ما يقال في وسائل إعلامهم عن الشرعية الدينية الإسلامية في مناهجها وفلسفة إدارة شؤون الحكم، ما هي إلا أكذوبة ممجوجة، وأن فلسطين والقدس الشريف ودماء وأرواح العرب والمسلمين جميعها بالنسبة لهم ما هي إلا للاستهلاك الإعلامي والدعائي الداخلي الرخيص لا غير، وكل المعطيات على الأرض تدل على أن هذه الممالك ينطبق عليها المثل العربي القادم من الصحراء (البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير)، والله أعلم منا جميعاً.

 

 

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾

التعليقات ( 0 )

لا يوجد تعليقات على هذا الموضوع

اضافة تعليق جديد